المذهب المالكي :
يتميّز مذهب إمام دار الهجرة بعدة خصائص جعلته متميزا عن بقية مذاهب أهل السنة ولعل أهمها :
أولا - خصوصيات المذهب على مستوى أصول الفقه
يمتاز المذهب المالكي على مستوى أصول الفقه بعدة مزايا وخصوصيات من أهمها:
1-: وفرة مصادره و كثرة أصوله المتمثلة في الكتاب و السنة و إجماع الأمة وعمل أهل المدينة والقياس و لاستحسان والاستقراء وقول الصحابي وشرع من قبلنا والاستصحاب والمصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف وعمل أهل المدينة والأخذ بالأحوط ومراعاة الخلاف. بالإضافة إلى القواعد العامة المتفرعة عنها والتي أنهاها بعض المالكية إلى ألف و مائتي قاعدة تغطي جميع أبواب الفقه ومجالاته.
هذه الكثرة أغنت الفقه المالكي و أعطته قوة وحيوية و وضعت بين أيدي علمائه من وسائل الاجتهاد وأدوات الاستنباط ما يؤهلهم لبلوغ درجة الاجتهاد ويمكنهم من ممارسته ويسهل عليهم مهمته.
وإذا كانت بعض المذاهب شاركت المذهب المالكي في بعض هذه الأصول فإن ميزة الفقه المالكي تكمن في الأخذ بجميع هذه الأصول بينما غيره لم يأخذ إلا ببعضها ورد الباقي.
2-: تنوع هذه الأصول والمصادر فإنها تتراوح بين النقل الثابت والرأي الصحيح المستمد من الشرع والمستند إليه كالقياس. هذا التنوع في الأصول والمصادر والمزاوجة بين العقل والنقل والأثر والنظر وعدم الجمود على النقل أو الانسياق وراء العقل هي الميزة التي ميزت المذهب المالكي عن مدرسة المحدثين ومدرسة أهل الرأي وهي سر وسطيته وانتشاره والإقبال الشديد عليه وضرب أكباد الإبل إلى إمامه في أيام حياته.
3-: توسعه في استثمار الأصول المتفق عليها توسعا كبيرا مما ساعد ويساعد على سد الفراغ الذي يمكن أن يحس به المجتهد عند ممارسة الاجتهاد والاستنباط، وهكذا نجده في التعامل مع الكتاب والسنة لا يكتفي بالنص والظاهر بل يقبل مفاهيم المخالفة والموافقة وتنبيه الخطاب كما يقبل دلالة السياق ودلالة الاقتران والدلالة التبعية، وقد استدل بقوله تعالى: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) على عدم وجوب الزكاة في الخيل لاقترانها بالحمير التي لا زكاة فيها ،كما توسع في باب القياس فقبل أنواعا من القياس لا يقبلها غيره ولم يخصه بباب من أبواب الفقه ولا نوع من أنواع الحكم.
بينما نجد كثيرا من الفقهاء يردون بعض أنواع القياس ويضيقون مجالات المقبول عندهم. فلا يقبلون القياس على ما ثبت بالقياس ولا القياس المركب والقياس على مخصوص وقياس العكس. ولا يجيزون القياس في الحدود والكفارات والرخص والتقديرات والأسباب والشروط والموانع.
ثانيا: في خصوصياته على الصعيد الفقهي :
1-: رحابة صدره و انفتاحه على غيره من المذاهب الفقهية والشرائع السماوية السابقة و اعترافه بالجميع و استعداده للتعايش معه والاستفادة منه بفضل قاعدة شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ التي اتخذها مالك أصلا من أصوله التي بنى عليها ماله و أسس عليها فقهه و انطلاقا من إيمانه بحرية الاجتهاد و وجوبه و أنه لا يقلد مجتهد غيره،و أن المصيب واحد كما يراه مالك و أكثر علماء الأصول يتجلى ذلك:
1- في اتخاذ شرع من قبلنا شرعا لنا ما لم يرد ناسخ، وهكذا أخذ المالكية بمشروعية الجعالة والكفالة من شريعة يوسف كما حكاه الله عنه في قوله: ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم. كما استدلوا على مشروعية قسمة مهيأة بقول صالح: هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم. وعلى جواز الإجازة والنكاح على منافع بقول صاحب مدين: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج.
2- في إباحته الاقتداء بالمخالف في الفروع و لو ترك شرطا من شروط الصلاة أو ركنا من أركانها في الفقه المالكي إذا كان الإمام لا يراه شرطا ولا ركنا في مذهبه، الصلاة وراء من نام ولم يتوضأ أو لا يقرأ الفاتحة في الصلاة أو يفتتح الصلاة بغير تكبيرة الإحرام على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه.
3- في رفضه تكفير المسلمين بالذنب و الهوى فقد سئل مالك عن المعتزلة أكفار هم؟ قال من الكفر فروا.
4- في تصحيحه حكم المخالف لمذهب مالك ومنع نقضه وإن خالف المشهور أو الراجح في المذهب المالكي، وهي القاعدة المعروفة بحكم الحاكم يرفع الخلاف المشار لها بقول خليل ورفع الخلاف لا أحل حراما.
5- فيما قرره الفقه المالكي في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن المختلف فيه لا يجب فيه الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، وهي قاعدة من أهم القواعد التي تحقق التعايش بين المذاهب والطوائف المختلفة وتحفظها من الصراع المذهبي والطائفي.
6- فيما قرره الفقه المالكي أيضا أنه إذا لم يوجد نص للمالكية في النازلة المعروضة فإنه يعمل فيها بالفقه الشافعي أو الحنفي على خلاف بينهم.
7- في رفض مالك فرض مذهبه وموطئه على جميع الأمة حين عرض عليه الخليفة العباسي ذلك واعتذر مالك عن ذلك .
8- في استحسانه العمل برأي المخالف ابتداء في بعض مواطن الخلاف من باب الورع والخروج من الخلاف، قراءة البسملة سرا، وقراءة الفاتحة خلف الإمام للخروج من خلاف الشافعي.
9- في قبوله رواية المبتدع إذا لم يكن داعية لمذهبه و لم يكن ممن يستحل الكذب .
10- في إباحته الخروج عن المذهب و العمل بقول المخالف عند الحاجة وفي بعض القضايا التي يصعب فيها الأخذ بالفقه المالكي أو لغير ذلك من الأسباب .
روي عن مالك أنه دخل المسجد بعد صلاة العصر وجلس ولم يصل تحية المسجد فقال له صبي: قم يا شيخ فاركع ركعتين، فقام فصلاهما فقيل له في ذلك، فقال خشيت أن يصدق علي قوله تعالى: (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون )
عدل سابقا من قبل mis54 في الأربعاء يوليو 15, 2009 4:07 pm عدل 1 مرات