ناقصات عقل ودين
بقلم سارة بنت محمد حسن
من الألوكة
اليومَ عقدُ نكاحي.
يمثل لي هذا اليوم حدًّا فاصلاً.
أشعر بالرهبة.
اليوم سيقتَحم حياتي كائنٌ من نوع آخر.
نوع غريب بالنسبة لي.
نوع لا أعرِف عنه شيئًا.
لكني أعرفُ أنه نوعٌ كالقوارير.
رقيقٌ وهشٌّ.
يحتاج إلى نوعٍ آخر مِن المعاملة.
لن أستطيع أن أمزَح معه بخشونةٍ كما أمزح مع أصدقائي، ولن أتمكن من معاملته بالطريقة العملية التي أعامِل بها زملائي.
كائنٌ رقيقٌ، سيملأ حياتي بهجةً، فقط إذا استطَعْت معاملته كما يجب.
ولِمَ لا؟! الأمر بسيط.
بتطبيق ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رفقًا بالقوارير)).
قطع وصولي إلى المسجد حبلَ أفكاري.
متوترٌ أنا حقًّا، مما زاد توتري: أنه لم يأتِ الشيخ الذي اتَّفَقْت معه على خُطبة العقد.
أنا في وَرْطَةٍ حقًّا.
لكن الحمد لله.
حضر صديقي، أحدُ طلاب العلم.
نَعَم، أنا أيضًا طالبُ علم، لكن لا تتوقع مني أن أخطُب خُطبة نكاحي.
فذهني شاردٌ جدًّا.
واجه صديقي المدعوِّين، وبدأ:
"إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله تعالى فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.
إخوتي في الله:
نبارك لأخينا العزيز؛ ((بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير)).
وأزيد على هذا الدعاء: والعقبى لك في الثانية والثالثة.
طبعًا، كان اللهُ في عون الأخ الفاضل؛ فالنساء ناقصاتُ عقلٍ ودينٍ، وكل رجل متزوِّج يعلم: كم نعاني من عقولهن الناقصة وسفاهتهن... "؛ كان يتحدَّث بصيغة استهزاء، استنكرتُها جدًّا، وتعجَّبت منها.
أكمَلَ الصَّدِيقُ: "ونذكِّرُك - أخانا - لكي تستريح من هذا العقل المعوج أن تعلق السوط، وأزيدك في النُّصْح: استخدِمْه؛ فالمرأة خلقت من ضلع أعوج؛ فهي ناقصة عَقْل ومعوجة الخلق، فلا بد من تأديبها وتقويمها؛ لكيلا تنفلِت، فزوجتك - يا صديقي - مجرَّد مملوكة، نَعَم، مملوكة للرجل، فاحذر ثم احذر أن تلبِّيَ لها رغباتها على حساب دينك وعقلك الراجح، فمهما كان مبلغ علمها فهي ناقصة، وهل للمملوك شيءٌ عند سيده؟! وعادَةً، فكل رغباتها سفيهَة مِثْلها، واحرِص - إن شاوَرْتَها - أن تخالف ما تشير به عليك؛ فإن في مشورتها الخطأ حتمًا.
ولاحظ ما جاء في الحديث: ((إذا خرجت المرأة استشرفها الشيطان))؛ فهي في الفتنة كالشيطان الرجيم - نعوذ بالله - بل إن كيد الشيطان ضعيف، وكيدهن عظيم؛ فالشيطان تلميذٌ في مدرستهن.
فاحبسها في بيتك، لا تخرُج منه إلا لضرورة قصوى، ويُستحسَن ألا تخرج إلا للقَبْر... ".
استمرت الخطبة على هذا المنوال.
الحقيقة كنت مذهولاً مما أسمع.
كنت أتمنى ألا تكون زوجتي قد سَمِعَت هذا الكلام المستفِزَّ.
كم يسيئُنِي أن يستخدم الإنسان آياتِ الله وأحاديثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سياقٍ؛ ليثبت به معنى لم يرِدْه الله ولا رسوله!
حقٌّ يُراد به باطل.
عزمت على التحدُّث مع صديقي غدًا، وبعد العقد ذهبت إلى بيت أهل زوجتي لتناول العشاء عندهم، وحاولت قدر جهدي أن أُفهِم زوجتي الرقيقة أن هذا الكلام ليس رأيي، وأنني سأناقش هذا الصديق غدًا، وسَعِدْت جدًّا عندما وجدت أن النساء لم تَسمَع شيئًا من الخطبة لعطل في السمَّاعات!!
ذهبت في اليوم التالي لمقابلة صديقي؛ فاسمع مني ما دار بيننا:
بدأته بالسلام والتحية، وتبسَّمْت في وجهه، وأنا أحضِّر في ذهني الكلمات التي سأقولها.
ابتسم، وقال لي: ها، ما الأخبار؟ هل رأيت النساء وعقولهن؟
قلت له، وأنا أضبط كلماتي: صديقي الحبيب، ألم تسمع قول الله تعالي: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ** [الحجرات: 11].
نظر لي في تعجُّب: ومِمَّن أسخر؟!
قلت: تسخَر من النساء عامَّة، وتستهزئ بزوجتي خاصَّةً بعبارتك السابقة رغم أنك لا تعرفها أصلاً.
قال مستنكرًا: عجبًا، أنا أردِّد قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أتحدَّث عن زوجتك بعينها.
قلت له: أعلم أنك لا تقصد أن تغتاب زوجتي، لكن عبارتك استهزاءٌ بها؛ فأنا لم أتزوَّج أمس سوى واحدةٍ معيَّنةٍ، فعلي من يؤول الكلام؟ وبِغَضِّ النظر عن هذا سأَسْأَلُك سؤالاً.
قال متبرِّمًا: تفضَّل.
قلت: ألم تقرأ تفسير الحديث من قبل؟ هل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن النساء ناقصات عقل ودين)) في سياق استهانةٍ وتنقُّصٍ واستهزاء أو ماذا؟
قال في حيرة: لا أذكر سياق الحديث، لكن ليس من خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستهزاء بأحد.
قلت له: اسمع السياق؛ فقد قضيت ليلتي أبحث في الأحاديث التي سقتَها في خطبة نكاحي، وتعجبت من استخدامك هذا الأسلوبَ الَّذِي امتلأ بالاستهزاء والسخرية والتنقُّصِ والمهانة لجنس النساء.
الحديث يقول:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ - هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ - عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: ((يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ))، فَقُلْنَ: وَبِمَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ))، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟)) قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: ((فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ، وَلَمْ تَصُمْ؟)) قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: ((فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا))؛ متفق عليه.
بقلم سارة بنت محمد حسن
من الألوكة
اليومَ عقدُ نكاحي.
يمثل لي هذا اليوم حدًّا فاصلاً.
أشعر بالرهبة.
اليوم سيقتَحم حياتي كائنٌ من نوع آخر.
نوع غريب بالنسبة لي.
نوع لا أعرِف عنه شيئًا.
لكني أعرفُ أنه نوعٌ كالقوارير.
رقيقٌ وهشٌّ.
يحتاج إلى نوعٍ آخر مِن المعاملة.
لن أستطيع أن أمزَح معه بخشونةٍ كما أمزح مع أصدقائي، ولن أتمكن من معاملته بالطريقة العملية التي أعامِل بها زملائي.
كائنٌ رقيقٌ، سيملأ حياتي بهجةً، فقط إذا استطَعْت معاملته كما يجب.
ولِمَ لا؟! الأمر بسيط.
بتطبيق ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رفقًا بالقوارير)).
قطع وصولي إلى المسجد حبلَ أفكاري.
متوترٌ أنا حقًّا، مما زاد توتري: أنه لم يأتِ الشيخ الذي اتَّفَقْت معه على خُطبة العقد.
أنا في وَرْطَةٍ حقًّا.
لكن الحمد لله.
حضر صديقي، أحدُ طلاب العلم.
نَعَم، أنا أيضًا طالبُ علم، لكن لا تتوقع مني أن أخطُب خُطبة نكاحي.
فذهني شاردٌ جدًّا.
واجه صديقي المدعوِّين، وبدأ:
"إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله تعالى فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.
إخوتي في الله:
نبارك لأخينا العزيز؛ ((بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير)).
وأزيد على هذا الدعاء: والعقبى لك في الثانية والثالثة.
طبعًا، كان اللهُ في عون الأخ الفاضل؛ فالنساء ناقصاتُ عقلٍ ودينٍ، وكل رجل متزوِّج يعلم: كم نعاني من عقولهن الناقصة وسفاهتهن... "؛ كان يتحدَّث بصيغة استهزاء، استنكرتُها جدًّا، وتعجَّبت منها.
أكمَلَ الصَّدِيقُ: "ونذكِّرُك - أخانا - لكي تستريح من هذا العقل المعوج أن تعلق السوط، وأزيدك في النُّصْح: استخدِمْه؛ فالمرأة خلقت من ضلع أعوج؛ فهي ناقصة عَقْل ومعوجة الخلق، فلا بد من تأديبها وتقويمها؛ لكيلا تنفلِت، فزوجتك - يا صديقي - مجرَّد مملوكة، نَعَم، مملوكة للرجل، فاحذر ثم احذر أن تلبِّيَ لها رغباتها على حساب دينك وعقلك الراجح، فمهما كان مبلغ علمها فهي ناقصة، وهل للمملوك شيءٌ عند سيده؟! وعادَةً، فكل رغباتها سفيهَة مِثْلها، واحرِص - إن شاوَرْتَها - أن تخالف ما تشير به عليك؛ فإن في مشورتها الخطأ حتمًا.
ولاحظ ما جاء في الحديث: ((إذا خرجت المرأة استشرفها الشيطان))؛ فهي في الفتنة كالشيطان الرجيم - نعوذ بالله - بل إن كيد الشيطان ضعيف، وكيدهن عظيم؛ فالشيطان تلميذٌ في مدرستهن.
فاحبسها في بيتك، لا تخرُج منه إلا لضرورة قصوى، ويُستحسَن ألا تخرج إلا للقَبْر... ".
استمرت الخطبة على هذا المنوال.
الحقيقة كنت مذهولاً مما أسمع.
كنت أتمنى ألا تكون زوجتي قد سَمِعَت هذا الكلام المستفِزَّ.
كم يسيئُنِي أن يستخدم الإنسان آياتِ الله وأحاديثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سياقٍ؛ ليثبت به معنى لم يرِدْه الله ولا رسوله!
حقٌّ يُراد به باطل.
عزمت على التحدُّث مع صديقي غدًا، وبعد العقد ذهبت إلى بيت أهل زوجتي لتناول العشاء عندهم، وحاولت قدر جهدي أن أُفهِم زوجتي الرقيقة أن هذا الكلام ليس رأيي، وأنني سأناقش هذا الصديق غدًا، وسَعِدْت جدًّا عندما وجدت أن النساء لم تَسمَع شيئًا من الخطبة لعطل في السمَّاعات!!
ذهبت في اليوم التالي لمقابلة صديقي؛ فاسمع مني ما دار بيننا:
بدأته بالسلام والتحية، وتبسَّمْت في وجهه، وأنا أحضِّر في ذهني الكلمات التي سأقولها.
ابتسم، وقال لي: ها، ما الأخبار؟ هل رأيت النساء وعقولهن؟
قلت له، وأنا أضبط كلماتي: صديقي الحبيب، ألم تسمع قول الله تعالي: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ** [الحجرات: 11].
نظر لي في تعجُّب: ومِمَّن أسخر؟!
قلت: تسخَر من النساء عامَّة، وتستهزئ بزوجتي خاصَّةً بعبارتك السابقة رغم أنك لا تعرفها أصلاً.
قال مستنكرًا: عجبًا، أنا أردِّد قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أتحدَّث عن زوجتك بعينها.
قلت له: أعلم أنك لا تقصد أن تغتاب زوجتي، لكن عبارتك استهزاءٌ بها؛ فأنا لم أتزوَّج أمس سوى واحدةٍ معيَّنةٍ، فعلي من يؤول الكلام؟ وبِغَضِّ النظر عن هذا سأَسْأَلُك سؤالاً.
قال متبرِّمًا: تفضَّل.
قلت: ألم تقرأ تفسير الحديث من قبل؟ هل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن النساء ناقصات عقل ودين)) في سياق استهانةٍ وتنقُّصٍ واستهزاء أو ماذا؟
قال في حيرة: لا أذكر سياق الحديث، لكن ليس من خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستهزاء بأحد.
قلت له: اسمع السياق؛ فقد قضيت ليلتي أبحث في الأحاديث التي سقتَها في خطبة نكاحي، وتعجبت من استخدامك هذا الأسلوبَ الَّذِي امتلأ بالاستهزاء والسخرية والتنقُّصِ والمهانة لجنس النساء.
الحديث يقول:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ - هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ - عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: ((يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ))، فَقُلْنَ: وَبِمَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ))، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟)) قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: ((فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ، وَلَمْ تَصُمْ؟)) قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: ((فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا))؛ متفق عليه.